أخبارنا

"وساطة الظل" تعكر صفو السوق العقاري السعودي عبر مكاتب مخالفة

في الوقت الذي تزداد فيه أهمية الوساطة العقارية في تسهيل عمليات البيع والشراء في سوق العقارات السعودي، يبدو أن هناك فئة من الوسطاء غير المرخصين تختبئ وراء ظل المكاتب العقارية لتمارس نشاطها غير المشروع.


الأريحية التي يعمل بها هؤلاء الوسطاء يعطي انطباعًا بأنهم خارج إطار المحاسبة، ما يثير التساؤلات حول تأثير ذلك على السوق العقاري والثقة التي يجب أن تسود بين الأطراف المتعاملة.


وقال فهد النماصي، الذي يعمل في مجال العقارات منذ 27 عامًا: سوق العقارات يشهد انتشارًا واسعًا لأساليب الاحتيال التي تستهدف الزبائن، خاصةً فيما يتعلق بالإيجارات، فالمحتالون يقدمون عروضًا وهمية من خلال نشر صور للعقارات بأسعار مغرية، وفي بعض الحالات، يقوم المحتالون بزيارة العقار لتصويره بالفيديو، بينما في حالات أخرى، يعتمدون على صور من مواقع أو تطبيقات عقارية، ويستخدمون تقنيات مثل الفوتوشوب لتزوير المستندات بشكل يصعب اكتشافه، ما يؤدي إلى دفع الزبائن للعربون قبل اكتشاف الاحتيال.


وأضاف : إحدى أبرز الثغرات التي يستغلها المحتالون هي استنساخ أرقام التراخيص الصادرة عن الهيئة العامة للعقار، حيث تلزم الهيئة المسوقين بنشر أرقام تراخيصهم في جميع الإعلانات، مما يسهل على المحتالين نسخ هذه التراخيص وإنشاء حسابات وهمية على منصات التواصل الاجتماعي للتسويق لعروض وهمية واستغلال الزبائن ماليًا.


كما أشار النماصي إلى أن بعض المحتالين يتواجدون بالقرب من العقارات المعروضة للبيع أو الإيجار ويعرضون على الزبائن التوسط للحصول على العقار بسعر أقل من المالك بطرق غير قانونية، ورغم أن أغلب المحتالين يفضلون التعامل عن بُعد لتجنب كشف هويتهم، إلا أن وسائل التواصل الاجتماعي تظل أداتهم الرئيسية لإنشاء حسابات وهمية والإيقاع بالضحايا، ما يؤدي في كثير من الأحيان إلى انتحال شخصيات وسطاء مرخصين.


من جهته، يرى العبودي بن عبد الله، المتخصص في الشأن العقاري، أن الوسطاء العقاريين يواجهون تحديات كبيرة، من أبرزها الفجوة بين المعرفة النظرية المكتسبة من المعهد العقاري والدورات التدريبية للحصول على الرخصة، والتطبيق العملي لهذه المعرفة في الميدان.


وأوضح أن بعض الوسطاء المبتدئين يجدون صعوبة في تطبيق ما تعلموه، وذلك نتيجة لعدم وجود الدعم الكافي الذي يمكنهم من الانتقال إلى مرحلة التنفيذ العملي بشكل احترافي، ما يؤدي إلى تعثر مسيرتهم المهنية.


كما أشار بن عبد الله، إلى تحدٍ آخر يواجه الوسطاء المبتدئين، وهو كيفية التعامل مع ملاك العقارات وشركات التطوير، حيث يفتقر العديد منهم إلى المهارات الاحترافية اللازمة لبناء علاقات قوية مع الملاك، مما يضعف فرصهم في إبرام عقود الوساطة.


وشدد أن النجاح في هذا المجال يتطلب من الوسيط العقاري بناء هوية تسويقية قوية تتيح له إقناع الملاك قبل إبرام العقود، وهذه الهوية قد تشمل مواد ترويجية مثل ملفات تحتوي على خطط تسويقية مقترحة وأرقام مشاهدات متوقعة، مما يسهم في تعزيز مصداقيته ويساعده في إتمام صفقاته بنجاح.


من جانبه، أوضح المهندس أحمد الفقيه، أحد خبراء العقار في السعودية، أن الوسطاء العقاريين يواجهون العديد من التحديات، أبرزها عدم ضمان حقوقهم مع ملاك العقارات، ما يعرضهم لعمليات احتيال متكررة بسبب الثغرات الموجودة في النظام، فضعف التأهيل لدى بعض الوسطاء يسهم في فتح المجال لتواجد العنصر الأجنبي في السوق العقارية، ورغم الجهود الكبيرة التي تبذلها هيئة العقار للحد من تواجد الأجانب، إلا أن التخلص الكامل من هذه الظاهرة قد يستغرق سنوات إضافية.


وأشار الفقيه إلى أن من بين العقبات الأخرى التي يواجهها الوسطاء السعوديون هو تفضيل بعض ملاك العقارات التعامل مع وسطاء غير سعوديين، وذلك لأنهم يقدمون عمولات أقل ولا يتمتعون بالقدرة على المطالبة بحقوقهم قانونياً، ويستغل بعض الملاك هذا الوضع من خلال منح الوسطاء الأجانب عمولات منخفضة مقارنة بالعمولات الفعلية، ما يضع الوسطاء السعوديين في موقف ضعف ويجعلهم غير قادرين على المنافسة بشكل عادل، وهو ما يجعلهم الضحية في هذه المعادلة.


من جانبه، أوضح المحامي ماجد قاروب، أن الأعراف والتقاليد هي التي تحكم عملية بيع وشراء العقارات في السعودية، حيث يعتمد المشترون، البائعون، والوسطاء العقاريون على عناصر متعددة مثل الثقة، السمعة، العلاقات الشخصية والعامة، والمكانة الاجتماعية للبائعين أو المشترين وحتى الوسطاء. وأشار قاروب إلى أن هذه العناصر تُعد الأساس في التعاملات العقارية، مما يجعل المطالبة بالتوثيق والكتابة والإقرار غير شائعة، إذ يُنظر إليها على أنها علامة على عدم الثقة أو التقدير بين الأطراف، وهو ما يفسر ابتعاد العديد من المتعاملين عن اعتماد هذه الأساليب.


وأضاف قاروب: هذا الوضع أفسح المجال لظهور ممارسات غير قانونية في السوق، مثل "شيك الشور" و"شيك الضمان"، وهي مخالفات قانونية لكنها أصبحت متداولة في وقت سابق بسبب الاعتياد عليها من قبل العاملين في القطاع العقاري.


وأكد قاروب أن نظام الوساطة العقارية يحد من هذه الممارسات، إذ يقتصر العمل بشكل نظامي على الوسطاء المرخصين فقط، ولن يُسمح لأي شخص غير مرخص بمزاولة الوساطة العقارية، فالمخالفات ستُواجه بعقوبات كبيرة تشمل السجن والغرامات، وقد تعتبر الأموال المكتسبة من النشاط غير المرخص جزءًا من عمليات غسيل الأموال، مما يستوجب الحصول على الترخيص القانوني لممارسة النشاط بشكل مشروع.


ولفت إلى أن أكثر من نصف المجتمع السعودي قد انخرط في مجال السمسرة والوساطة العقارية بمختلف أحجامها وأشكالها، في العديد من العمليات العقارية، ويتواجد عدد كبير من الوسطاء يمثلون البائع والمشتري، وفي بعض الحالات قد يصل عدد الوسطاء إلى عشرات.


وأكدت الهيئة العامة للعقار في حديثها مع "العربية نت" أن نظام الوساطة العقارية جاء بهدف تنظيم السوق العقاري السعودي وحماية حقوق جميع أطراف العلاقة التعاقدية في التعاملات البيعية أو الإيجارية، معتمدةً على منهجية وحوكمة نظامية متكاملة ونماذج موحدة تسهم في تحسين جودة وكفاءة التعاملات العقارية، بما يعزز النمو والاستدامة في هذا القطاع.


وأوضحت الهيئة أنها تعتمد على معايير وضوابط واشتراطات تهدف إلى رفع جودة التعاملات العقارية وحفظ حقوق المتعاملين في السوق، وعمل غير المرخصين في السوق العقارية يؤثر سلبًا على جميع الأطراف، لأن التعاملات غير الشرعية لا تضمن حقوق أي طرف، داعيةً المتعاملين إلى التأكد من نظامية وترخيص الوسطاء العقاريين الذين يتعاملون معهم لتجنب الوقوع ضحية لعمليات احتيالية أو مضللة.


فيما يتعلق بوجود وسطاء عقاريين غير سعوديين يعملون بشكل غير قانوني، كشفت الهيئة أن المخالفات التي تم رصدها خلال عام 2024 تضمنت عدم الترخيص لمزاولة النشاط، استخدام معلومات مضللة للتسويق أو التوثيق، وعدم توثيق العقود. وأن تمكين الغير من استخدام تراخيص لا تخصهم يوجب المساءلة القانونية والإحالة إلى الجهات المختصة.


وبحسب بيانات الهيئة، بلغ عدد الحملات التي نفذتها خلال الربع الأول من العام الجاري إلى 15 حملة ميدانية مشتركة، حيث قامت بزيارة 21,312 منشأة عقارية في 19 مدينة حول المملكة، تضمنت 19,246 عملية مسح إلكتروني.


كما بيّنت الهيئة أنها تتبنى أربع مسارات لضمان الامتثال والالتزام في السوق العقاري، وهي: الرقابة الإلكترونية، الرقابة الميدانية، والحملات، وتلقي البلاغات، ودعت الجميع إلى التعاون والتأكد من هوية وترخيص الوسطاء والالتزام بالعقود وتوثيقها عبر المنصات الرسمية، مشددةً على أهمية التواصل معها للإبلاغ عن أي عمليات مشبوهة.

Background Image

الأكثر مشاهدة